الاستعداد لعهد الوظائف الجديد يبدأ من التعليم الأساسي لم يعد العالم كما كان قبل عقد من الزمن، فالتقنية وأدواتها وتطوراتها المتسارعة قلبت الموازين وغيرت العالم والاقتصاد إلى “الاقتصاد الرقمي” و”عصر الثورة الصناعية الرابعة” و”الذكاء الاصطناعي” و”إنترنت الأشياء” و”العوالم الافتراضية” التي غيرت شكل ونوعية الوظائف المطلوبة في السوق، وما تتطلبه من مهارات رقمية وحياتية.
ويلقي هذا التطور الذي أكدت عليه رؤية التحديث الاقتصادي بمسؤوليات وادوار على الجميع ، حكومات ومعنيين في قطاع التعليم والمجتمع والشباب ممن يبحثون عن فرص العمل لمواجهة التغيرات في خريطة الوظائف المستقبلية.
خبراء أكدوا أهمية الاستفادة اقتصاديا من التطورات الحاصلة في عالم رقمي أصبح يضم 5 مليارات مستخدم للإنترنت منهم عشرة ملايين في الأردن.
واقترحت الرؤية في محور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العديد من المبادرات لرفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، منها مبادرة إعداد قوى عاملة جاهزة للمستقبل ( قادرة على العمل ) من خلال برامج التدريب والتعليم على أحدث مخرجات الثورة الصناعية الرابعة.
وأشار الخبراء إلى أهمية إحداث تغيير جوهري في عدة محاور رئيسية بداية من المنظومة التعليمية وصولا لمتطلبات سوق العمل والحياة الذكية لما سنشهده من تحول في المستقبل القريب في اعتماد أكبر على الأنظمة الذكية بما فيها المدن والشوارع والبنايات الذكية التي ستغير أسلوب حياتنا بطريقة جذرية.
وأكد الشريك المؤسس في شركة ” السوق المفتوح” ، المنصة الرقمية للإعلانات المبوبة في منطقة الشرق الأوسط ، عدي السلامين أن التغييرات التي تفرضها التكنولوجيا ” قادمة بلا شك “، والأسئلة التي تحتاج لإجابات تدور حول مدى سرعة التغيير، وكيف يمكن أن نواكب التغيير باستمرار ؟ حتى لا نتخلف عن الركب.
وقال السلامين “لا نستطيع اليوم مقاومة التغيير أو منع تأثيراته”، ولكن علينا “الاستعداد”:سواء حكومة أو قطاع خاص ومجتمع وشباب لمواجهة التحديات والاستفادة من الفرص التي ستخلقها التغييرات التقنية في سوق العمل والوظائف المطلوبة.
وبين ضرورة الاستعداد لمواكبة التطور التقني وتأثيراته على الوظائف من مراحل التعليم الأساسي، وبالتوعية للمجتمع والآباء والأمهات لتجهز ابناءهم للمستقبل، وان العصر الحالي والقادم هو عصر العمل عن بعد وعصر الذكاء الاصطناعي والبيانات وإنترنت الاشياء، مشيرا إلى أن أكثر التخصصات التي ستكون مطلوبة تشمل علوم البيانات والذكاء الاصطناعي وأمن المعلومات.
وقال مسؤول التدريب والتطوير في شركة المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا (ITG) زيد الرشق إن التغيرات في قطاع التقنية والتحول الرقمي متسارعة ويلحقها تغيرات في سوق العمل ونوعية الوظائف المطلوبة، ما يستدعي مواجهة التغييرات بتوفير الخبرات والمهارات المطلوبة، وهو جهد جماعي يجب ان يشترك فيه الجميع من مراحل التعليم الأساسي والجامعي، وفي القطاع الخاص الذي يجب أن يواكب التطورات التقنية الحاصلة بتوفير التدريب اللازم.
وبين الرشق أهم التخصصات المطلوبة بهذا القطاع ومنها علوم البيانات، الذكاء الصناعي، البرمجة، تحليل الأعمال والنظم، أمن وحماية الشبكات، وإدارة المشاريع وغيرها من التخصصات الرقمية كما وضح المهارات اللازمة للتفوق بهذه التخصصات وكيفية اكتساب هذه المهارات وتنميتها بمرحلة مبكرة بما لها من دور كبير على تطور قطاع تكنولوجيا المعلومات والقطاعات الأخرى.
وزير الاتصالات الأسبق مروان جمعة كان أكد قبل أسابيع في منشور له على صفحته الشخصية على شبكة الفيسبوك الاجتماعية أهمية امتلاك وإتقان مهارات القرن الواحد والعشرين والتي تتركز في المهارات الرقمية والمهارات المطلوبة لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة والتي أصبحت توازي بنظره أهمية “الشهادة” في عالم يتحول يوما بعد يوم في كل قطاعاته إلى “الرقمنة”.
وطلب جمعة في منشور له عبر صفحته الشخصية على شبكة “فيسبوك” من الشباب التركيز على الشهادة والمهارات الرقمية في الوقت نفسه؛ لأن “واحدة منها لا تكفي”، مستعرضا أهم المهارات والمجالات التقنية التي أصبحت مطلوبة بشكل متزايد اليوم في كل القطاعات.
وأضاف قائلا “الكل يتكلم عن أهمية الشهادة ولكن اكتساب مهارة للقرن الواحد وعشرين بنفس الأهمية إذا لم يكن أهم، وبعض المهارات المطلوبة:البرمجة، خاصة مع البلوكشين والـweb3 والذكاء الاصطناعي، التسويق الإلكتروني بكل أنواعه، التصميم UX UI، تحرير الفيديوهات video editing مع انتشار TikTok و YouTube””.
ويمكن تعريف “المهارات الرقمية” أنها مجموعة من المعارف والخبرات والقدرات على استخدام الأجهزة والتقنيات الرقمية بشكل كفؤ ومفيد، بحيث تمكن الأفراد من إدارة المحتوى الرقمي ومشاركته بشكل فعال ومبدع يؤدي إلى زيادة الدقة والكفاءة والجودة والإنتاجية في كل أنشطة الحياة العامة والعملية، وتعتبر أحد أساسيات التحول الرقمي وبناء الاقتصاد الرقمي المعرفي الحديث.
وقال عضو هيئة التدريس في جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا د.مهنا مهنا ” لا يخفى على أي متابع من قريب أو بعيد عن سوق العمل ما يشهده من تطور متسارع في كافة القطاعات، وقد باتت التكنولوجيا العامل الأساسي والمحرك الرئيسي لهذا التطور”.
ولفت إلى أن دخول التقنية في معظم القطاعات مثل الزراعة والصناعة والتعليم والنقل والطب والمصارف وغيرها من القطاعات من أوسع أبوابها، لتزيد من الإنتاجية وكفاءة العمل وتضمن أمن المعلومات وجودة المنتجات.
ورغم أن دخول التكنولوجيا إلى القطاعات الحيوية قد أدى إلى الاستغناء تدريجيا عن العديد من الوظائف، إلا أن مهنا يرى أنه أدى إلى إيجاد فرص عمل جديدة في وظائف اليوم والمستقبل القريب.
وضرب مهنا مثلا كيف أدى دخول التكنولوجيا عالم المصارف والدفع الإلكتروني إلى الاستغناء عن العديد من وظائف الكاشير وأمناء الصندوق، مشيرا إلى انه في المقابل فتح المجال لوظائف التكنولوجيا للتقدم والتطور في هذا المجال.
وضرب مثلا آخر فيما يشهد العالم تطورا ملحوظا في استخدام التكنولوجيا لتطوير السيارات والحافلات ذاتية القيادة، وهو ما سيؤدي حتما إلى الإستغناء عن الحاجة لسائقين أو ربما إلى الإستغناء عن الحاجة لتعلم قيادة السيارات مستقبلا، مما يضمن التقليل من حوادث السير وضمان سلامة الطرقات، كما أشار إلى دور التكنولوجيا في عالم الصحة ، إذ أصبحت الوظائف المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات الصحية وإدارتها أكثر طلبا لما لها من أثر واضح في تحسين الخدمات الصحية المقدمة للمرضى والتي يمكن تكييفها مع حاجات كل مريض.
وقال مهنا “كما وتنقل التكنولوجيا إدارة الأعمال والتسويق إلى مراحل متطورة، فشهد التسويق الإلكتروني مقارنة مع التسويق التقليدي نهضة كبيرة في الأعوام السابقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وصارت تكنولوجيا الأعمال جزءا لا يتجزأ من أي استراتيجية مستقبلية لأي قطاع”.
وأكد أن التكنولوجيا استطاعت العامين الماضيين توفير وظائف وفرص عمل عديدة في قطاع التعليم والتعلم الإلكتروني، وكيف حققت العديد من الشركات التي تقدم حلولا في تكنولوجيا التعليم أرباحا هائلة، وأوجدت العديد من فرص العمل لمواكبة الطلب المتزايد على الخدمات التي تقدمها.
ولخص القول “المتابع والمحلل لوظائف القطاعات المختلفة وللدراسات المتعلقة بوظائف المستقبل كالتقارير التي ينشرها موقع لينكدإن، يجد أن التكنولوجيا تحتل الحصة الأكبر من الوظائف الأكثر طلبا في كافة القطاعات”.
وبين أن الحاجة إلى مبرمجين قادرين على القيام بمهامهم أصبحت على رأس أولويات العديد من الشركات ودول العالم في كافة مجالات علوم الحوسبة كالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وعلم البيانات وإنترنت الأشياء وتطوير الألعاب والواقع الافتراضي.
وبناء على كل ما سبق، أكد مهنا أن ذلك يضع تحديا واضحا أمام الجامعات لتخريج جيل من المبرمجين ومهندسي البرمجيات القادرين على مواكبة التطور المتسارع في التكنولوجيا بكافة أشكالها، ويضع مسؤولية مشتركة على عاتق طلبة الجامعات وحديثي التخرج لمتابعة كل ما يستجد في تخصصاتهم، فما يتعلمه الطالب في سنته الدراسية الأولى يصبح قديما في سنته الرابعة.
ودعا مهنا المقبلين على الدراسات الجامعية إلى ضرورة دراسة التخصصات المواكبة للتقدم التكنولوجي في كافة القطاعات والابتعاد عن التخصصات التقليدية المشبعة، مع ضرورة التركيز على التطوير الذاتي المستمر للمهارات الحياتية والتكنولوجية بكافه أشكالها.
وفي السياق نفسه، أكد الخبير في مجال الاتصالات والتقنية وصفي الصفدي أننا نعاني اليوم من “فجوة الرقمية” وعدم تبني منظومة ورؤية شمولية للمستقبل، وهذا يتطلب تغييرا جوهريا في عدة محاور رئيسية بداية من المنظومة التعليمية وصولا لمتطلبات سوق العمل والحياة الذكية لما سنشهده من تحول في المستقبل القريب في اعتماد أكبر على الأنظمة الذكية بما فيها المدن والشوارع والبنايات الذكية التي ستغير أسلوب حياتنا بطريقة جذرية.
وقال “المهارات التقنية والتكنولوجية أصبحت مطلبا أساسيا وضروريا للحياة الرقمية ولذلك يجب على جميع القطاعات العمل على تحديد احتياجات العصر من هذه المهارات الرقمية وخاصة أن مخرجات التعليم لا تتفق كثيرا مع سوق العمل”.
وأشار إلى أهمية إحداث تحول جذري في المستويات التعليمية وخاصة خلال مراحل التأسيس لبناء طاقات رقمية مميزة وتحويل المرحلة الجامعية من مرحلة دراسية بحتة، إلى منظومة تعليمية، تدريبية، تطويرية، وتنمية بشرية تساهم في تخريج ورفد الأسواق المحلية والدولية بأشخاص مدربين، محترفين وأصحاب اختصاص تقني ومهني جاهزين للاندماج والانخراط المباشر بأسواق العمل.
وقالت الأكاديمية الأردنية د.زهر علي إن “المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير له في عام 2018 أكد أهمية مهارات ضرورية لسوق العمل حتى عام 2025 قد شملت مهارات التفكير التحليلي الابتكاري ومهارات حل المشكلات المعقدة وتقنيات التعلم النشط”.
وبينت علي ، التي تحمل دكتوراه في علم الحاسوب/ البيانات الضخمة – ان تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2020 توقع انه بحلول عام 2025 قد يتم استبدال ما يقدر بـ 85 مليون وظيفة عن طريق التحول في تقسيم العمل بين البشر والآلات في حين قد تظهر أكثر من 97 مليون وظيفة جديدة أكثر تكيفا مع التقسيم الجديد للعمل بين البشر والآلات والخوارزميات.
وقالت علي إن “التقرير اظهر أن الـطلب عـلى الـوظـائـف فـي مـجالات مـثل إدخـال الـبیانـات والـمحاسـبة والـدعـم الإداري یـتناقص، فيما يتزايد الطلب على الوظائف المتعلقة بتحليل وعلوم البيانات ومتخصصين الذكاء الصطناعي ولغة الآله.
ومتخصصي البيانات الضخمة بالإضافة لتخصصات تتعلق بالتسويق الرقمي والاستراتجيات واتمتته العمليات والحاجة الى مختصي التحول الرقمي. وغيرها من الوظائف الملحة”.
وأشارت إلى أن استطلاع لمنتدى الاقتصاد العالمي في العام 2020عن مستقبل الوظائف 2025 أظهر أن حوالي 40 % من العمال سيحتاجون إلى إعادة تأهيل مهاراتهم لمدة ستة أشهر أو أقل.
وقد تصدر التقرير مهارات التفكير الابتكاري ومهارات حل المشكلات المعقدة وتقنيات التعلم النشط التي صدرت في تقرير 2018 كمهارات ستبقى ايضا ضرورية بحلول عام 2025.
وقالت علي إن ” تقرير لمؤسسة ” غارتنر” في عام 2021 أظهر أن قادة الموارد البشرية يجدون صعوبة في العثور على المواهب الأكثر طلبا وفي تطويرها بسرعة تواكب عصر التغييرات المستجدة حيث أن 58 % من القوى العاملة بحاجة إلى مهارات جديدة لإنجاز مهامهم في بيئة من التغيير الاقتصادي والرقمي.
وقالت إن “شركة (pwc) نشرت دراسة مفادها بان 74 % من الموظفين مستعدون لتعلم مهارات جديدة أو إعادة التدريب ليظلوا قابلين للتوظيف، ما يشير إلى الحاجة إلى إيجاد توازن بين التغيير مستمر في وظائف المستقبل بما يلبي تغييرات سوق العمل والاقتصاد الوطني والعالمي”.